الفن والموضة: حوارٌ خالد بين الإبداع والتاريخ والأناقة
على مرّ التاريخ، كان بين الفن والموضة رابطٌ عميق يكاد لا ينفصم. عالمان يبدوان مختلفين، لكن كِلاهما قادرٌ على رواية حياة كل عصر وثقافته. يتيح لنا الفن رؤية الواقع بعيني خالقه، مانحًا إيّانا مشاعر وتأملات؛ أمّا الموضة فتعكس اليوميّ والعادات الاجتماعية، محوّلة هوية الشعوب إلى أزياء وإكسسوارات وأشكال أسلوبية.
هذه الصلة وثيقة لدرجة أنّ المصممين يستلهمون كثيرًا من الأعمال الفنية، كما لا يتردد الفنانون أنفسهم أحيانًا في خوض عالم تصميم الأزياء. ليس الأمر مجرّد جماليات، بل تبادلٌ إبداعيّ ممتد عبر القرون. فـليوناردو دا فينشي، على سبيل المثال، صمّم أزياءً للحفلات والمبارزات في بلاط لودوفيكو سفورزا، جامعًا بين عبقريته الفنية وموضة عصر النهضة.
اليوم تبدو هذه العلاقة أوضح من أي وقت مضى: إذ تعيد الكثير من دور الأزياء الفاخرة تفسير روائع الفن وتحويلها إلى فساتين وحقائب وإكسسوارات تصبح بدورها أعمالًا فنية قابلة للّبس.
فالنتينو وهيرونيموس بوش: الخطيئة بأسلوب الأزياء الراقية


قدّم بييرباولو بيتشولي، المدير الإبداعي لدار فالنتينو، الفنّ الوسيط على المنصّة في مجموعة 2017 المستوحاة من لوحة حديقة الملذات لبوش. تحوّلت الرموز الدينية والرمزية إلى تطريزات وشفافيات وطباعة، مكوّنة توازنًا دقيقًا بين جمالية النهضة والموضة المعاصرة.
بريكس وآندي وارهول: فن البوب في رحلة

تعاونت علامة السفر الإيطالية العريقة Brics مع مؤسسة آندي وارهول لإبداع حقائب سفر وحقائب يد مزدانة بصور أيقونية: من بورتريهات مارلين مونرو إلى علب كامبل الشهيرة.
وُلد آندي وارهول في بيتسبرغ عام 1928، وكان من أبرز روّاد فن البوب. بعد وفاة مارلين مونرو المأساوية عام 1962، تأثّر بأسطورتها وصورتها، فاختار صورة ترويجية من فيلم Niagara (1953) أساسًا لسلسلة من الطباعة الحريرية الملوّنة، مكررًا وجه النجمة عشرات المرات مع تنويعات لونية تُجسّد ثقافة الاستهلاك وصورية العصر.
بفضل هذا التعاون، تحوّلت الحقائب وعربات السفر إلى أعمال فنية متنقّلة تمزج بين التصميم الإيطالي والثقافة الفنية العالمية.

إلى جانب بورتريهات مارلين، قدّمت Brics خطًا من الحقائب المزدانة بخلفيات لونية ورسومات لعلبة شوربة الطماطم من كامبل (1961–1962)، إحدى أيقونات وارهول وبيانًا لفن البوب.
إيف سان لوران وموندريان: هندسيات خالدة

حوّل إبداع إيف سان لوران لوحات بييت موندريان التجريدية إلى أزياء. ففي 1965 قدّم مجموعة مستلهمة من هندسيات موندريان وألوانه الأساسية، لتغدو فساتينه ذات القصّة شبه المنحرفة بالأزرق والأحمر والأصفر أيقونة من رموز القرن العشرين.

لويس فويتون وجيف كونز: روائع تُرتدى

قدّمت الدار الفرنسية Louis Vuitton مجموعة Masters بالتعاون مع Jeff Koons، حيث استعيدت روائع مثل الموناليزا لليوناردو، ومناظر فان غوخ وأعمال تيتيان على حقائب ومحافظ وأوشحة، مع تقنيات طباعة مبتكرة على الجلد.
شملت المجموعة أعمالًا لخمسة أساتذة خالدين: الموناليزا لـليوناردو دا فينشي، حقل قمح مع سرو لـفنسنت فان غوخ، صيد النمر والأسد لـبيتر بول روبنز، المريخ والزهرة والحب لـتيتيان، وفتاة على السرير تلعب مع كلب لـجان-أونوريه فراغونار.
بفضل تقنية طباعة خاصة على الجلد حافظت على إشراق الألوان ومتانتها، تحوّل كل إكسسوار إلى قطعة فنية قابلة للارتداء، مع تفاصيل داخلية تضم صورة الفنان ووصفًا موجزًا وتوقيع Jeff Koons.
دولتشي آند غابانا وروبنز: بذخ باروكي

استوحى المصممان الإيطاليان دومينيكو دولتشي وستيفانو غابانا كثيرًا من عالم الفن. فأحيت مجموعة 2020 حسّية روبنز الباروكية عبر قصّات غنية وأقمشة فاخرة ولوحات لونية راقية، كما احتفت مجموعات سابقة بالفنّ الديني الصقلي.
جيلدا تونيللي وجاكسون بولوك: الرسم الحركي على الجلد

خصّصت العلامة الحرفية Gilda Tonelli في 2015 مجموعة من الحقائب والأحذية لأسطورة الفن الأمريكي جاكسون بولوك، رائد التعبيرية التجريدية الذي ابتكر عام 1947 تقنية التنقيط (drip)، فارضًا لغةً جديدة مفعمة بالطاقة والحركة والحرية.
أعاد الحرفيون الإيطاليون ابتكار هذه الروح عبر طلاء الجلد يدويًا بـتنقيطات لونية، ليصبح كلّ حقيبة قطعة فريدة تمزج الحِرفة بالفن المعاصر.
كروميا والفن المعاصر

تعاونت علامة Cromia مع الفنان ستيفانو كالستي لإبداع حقائب مزيّنة بلوحة شجرة السعادة بأسلوب ساذج وألوان متوهجة، مثالٌ على امتزاج فنّ القرن الحادي والعشرين بتصميم الإكسسوارات المعاصرة.
الخلاصة: الموضة فنٌّ حيّ
من عصر النهضة إلى فن البوب، ومن الباروك إلى التجريد، لطالما ألهم الفنُّ الموضة، محوّلًا منصّات العرض إلى متاحف حيّة. ويواصل المصمّمون اليوم، كثيرٌ منهم خرّيجو أكاديميات الفن، استكشاف لغات بصرية جديدة، مؤكدين أنّ الموضة ليست ملابس فحسب، بل فنّ معاصر يروي الأزمنة والمشاعر والهويّات الثقافية.
E.M.