في مدوّنتنا المخصّصة للموضة نستكشف كثيرًا تاريخ الحقائب، أصولها وتطوّر التصميم والحِرَف عبر القرون. فالحقائب ليست مجرد إكسسوارات عملية، بل هي أيضًا انعكاس للهوية الثقافية والفن والمكانة الاجتماعية. هذه المرة نعود 2000 عام إلى الوراء، إلى الإمبراطورية الرومانية القديمة، لاكتشاف أحد أوائل النماذج الأولية للحقيبة الحديثة.
بفضل عمل العلماء وعلماء الآثار حول العالم، تواصل البشرية الكشف عن معارف مدهشة عن الماضي. وتخبرنا هذه الاكتشافات عن الأشياء التي استخدمها أسلافنا في حياتهم اليومية، وكثيرٌ منها ألهم التصميم والموضة حتى يومنا هذا. ومن بين تلك الإكسسوارات القديمة يبرز محفظة الذراع الرومانية، ذلك السلف الآسر للحقيبة، والذي استُخدم بين عامي 50 و250 ميلادية.
محفظة الذراع الرومانية: تصميم مبتكر
كان هذا الإكسسوار الاستثنائي يبدو كسوارٍ مجوّف من الداخل. صُنع غالبًا من البرونز، ويُثبَّت على الساعد الأيسر بواسطة شريط جلدي أو حزام مطاطي، مع إبقاء الذراع اليمنى حرة للقتال. وبحرصهم على العملية وخفة الحركة، كان الجنود الرومانيون يرتدون هذه الحقيبة الصغيرة للساعد لحفظ النقود بأمان.
كانت المحفظة تستوعب حتى 50 دينارًا من الفضة. وللتقريب، يُعادل الدينار الواحد اليوم نحو 30–50 يورو. ومع أن الجندي العادي كان يتقاضى في المتوسط بين 225 و300 دينار سنويًا، إلا أن راتبه يُعدّ متواضعًا بمقاييس العصر الحديث.
رمز مكانة داخل الجيش الروماني
عثر علماء الآثار على أمثلة قليلة جدًا من هذه المحافظ، ما يوحي بأنها كانت مخصّصة لذوي الرتب العالية مثل الضباط أو مسؤولي خزينة الفيلق. لم تكن إذًا غرضًا شائعًا، بل إكسسوارًا يجمع بين العملية والهيبة.
شهد يناير/كانون الثاني 2025 اكتشافًا لافتًا في جنوب مورافيا قرب حصن هراديسكو على يد بعثة تشيكية؛ إذ عُثر على جزء من محفظة ذراع رومانية محفوظ بنسبة نحو 30%، ويؤرَّخ لعهد الإمبراطور ماركوس أوريليوس (166–180م). ويرجَّح أنه كان يعود إلى جندي شارك في حروب الماركومان على ضفاف الدانوب.

تُظهر الصورة نسخة مُرمَّمة كما يُحتمل أن يكون الشكل الكامل للمحفظة (المؤلف: فاتسلاف شاليك، المصدر: ČTK). ويُعرض الجزء الأصلي اليوم في مركز موسوف بمدينة باسوهلاڤكي ضمن المعرض التاريخي «بوابة الإمبراطورية الرومانية».
كما عُثر على نموذجٍ كامل في إنجلترا وهو معروض حاليًا في متحف يورك، حيث يمكن تأمل براعة الحِرَف الرومانية ودقتها.
ووجدت قطعة أخرى مشابهة من البرونز في هولندا، ويعود تاريخها إلى ما بين 1800 و1950 عامًا مضت.
من روما القديمة إلى موضة اليوم
لا تتوقف الحكاية عند الماضي؛ فقد عادت هذه الفكرة للظهور في العصر الحديث. ففي عام 2010 أطلقت الفنانة والمصممة الفرنسية أماليا ماتاور خطها الحصري من «حقائب الرقص». واستلهامًا من محافظ الذراع الرومانية، تُرتدى هذه الحقائب الفاخرة على الساعد لتُبقي اليدين حرّتين في الحفلات والمناسبات.
تُصنع من جلود فاخرة—وأحيانًا من جلودٍ غريبة—وتُزيَّن بحُليّ راقية؛ فـحقائب الرقص صارت رمزًا للأناقة المعاصرة. وكأسلافها في العصور القديمة، تجمع بين الوظيفة والهيبة، لتغدو قطعًا مُشتهاة لمن يبحث عن الأسلوب والفرادة.
تطوّرٌ خالد للحقيبة
من محفظة الساعد البرونزية لدى جنود روما إلى ابتكارات كبار المصممين اليوم، فإن تاريخ الحقيبة مسارٌ يروي الإبداع والهوية والثقافة. ما بدأ أداةً ذكية لحمل النقود في المعركة تحوّل عبر القرون إلى أحد أهم إكسسوارات الموضة في العالم.
واليوم، لا تمثّل حقائب الرفاهية عنصرًا جماليًا فحسب، بل هي أيضًا تعبيرٌ عن رغبة الإنسان في الجمع بين العملية والجمال. وتبقى محفظة الذراع الرومانية مثالًا ساطعًا على تداخل الموضة والوظيفة منذ العصور القديمة.
E.M.